حين تسقط آخر “الجيمات”

فرضت تبعات انتشار كورونا كوفيد 19 انتهاج مسلكيات كثيرة أثرت بشكل جلي على المجتمع في صلب اهتماماته، سواء ماتعلق منها بميوله الثقافية أو الفنية أو الرياضية إلى غير ذلك من جوانب الحياة.

يحتل الشاي مكانة خاصة في حياة شعوب العالم و أهل هذه الأرض على وجه الخصوص مما يجعله المشروب الأول و الأهم عند كثيرين ، ولهذا المشروب طقوس تلازمه و شروط لا يَكْمُلُ إلا بها وفي الموروث الثقافي لأهل هذه الأرض يشترط لتميز الصنعة “الأتائية” أو “الشائية” توافر جيمات ثلاثة أولها جيم “اجماعة” و ثانيها جيم “اجمر” و ثالثتهما جيم “اجر”.

هذه الجيمات الثلاثة أو الأركان الأساسية للصرح الأتائي بدأ نقضها من قواعدها فتكفلت السياسات البيئية “الحكيمة” بتعويض “اجمر” بغاز البوتان، و تكفلت سرعة وتيرة الحياة المدنية و مايتعلق بها و متطلبات التماشي مع الحركة السريعة للعالم من حول هذه الربوع بالتشويش على جيم “اجر”.

أما آخر تلك الحصون فأتت عليه الإجراءات الصحية الوافدة مع كوفيد 19 المستجد فقد قضى “التباعد الاجتماعي” على جيم “اجماعة”.

مما لا شك فيه أن لكل الأزمات تأثيراتها السياسية و الاقتصادية و الثقافية و السيسيولوجية، و وباء كورونا لن يكون بدعا في ذلك و قد أرهق العالم لأشهر فتعطلت مصالح الدول و حد من حركة الأفراد و شُغل الناس به عن غيره ،و لكن حسب وجهة نظري فإن هذه التأثيرات ستصب جميعا في التأثير الأكبر و هو ذلك التأثير الذي سيغير أنماط عيش الناس و تعاملهم فيما بينهم، و سيخرج العالم من هذه الأزمة بأخلاق وسلوكيات و أنماط عيش جديدة، حيث سيقضي هذا الوباء على أمور اعتادها البشر منذ آلاف السنين، و سيتخلون بعده عن عادات حافظت عليها الأجيال عبر العصور، فمن يتصور البشر يلتقون بلا مصافحة؟! و يودعون دون عناق؟! هذا في الصورة العامة، ومن يتصورنا نحن خاصة على هذه الأرض المسكونة بحب الشاي نعد جلساته عن بعد؟! و نقيمه مع “التباعد” ؟! ومن منا لا يتذكر ذلك التذمر حين يقدم أحدهم “كأسا” أعدت بعيدا فيقول محتسيها “أتفو ابهذا أتاي المرفود، بلا طعمه”، نعم حين تسقط آخر الجيمات فلن يكون للشاي طعمه المعتاد.

وستتضاعف الغمة حين تدخل على الخط الكؤوس البلاستيكية وحينها فعلى الدنيا السلام.. هذه هي الحياة لا سبيل فيها للدوام، و رغبات المرء هي التعبير الحقيقي عن عيشه للحياة، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يرفع هذا البلاء و الوباء عنا و عن المسلمين جميعا و عن البشرية بأسرها و تعود تلك “الحلقات” الماتعة لسابق ألقها و تفردها ،و نشرب نخب الصحة و العافية إنه ولي ذلك والقادر عليه.